2024-03-28


بيان الدكتور فيصل المقداد وزير الخارجية والمغتربين أمام دورة العام 2023 لمؤتمر نزع السلاح على المستوى الوزاري

2023-02-28

قبل سبعة وسبعين عاماً، اعتمدت دولنا ميثاق الأمم المتحدة الذي استهل بتأكيد العزم على تجنيب الأجيال القادمة ويلات الحروب التي جلبت على الإنسانية مرتين أهوالاً يعجز عنها الوصف، إلا أن هذه الإرادة اصطدمت بتنصل بعض الدول الغربية التي أنيطت بها (كعضوٍ دائمٍ في مجلس الأمن) مسؤولية أساسية في حفظ السلم والأمن الدوليين من التزاماتها، وسعيها لفرض سطوتها وهيمنتها وتأجيج النزاعات.

وها نحن اليوم نعيش في عالم تتصاعد فيه التوترات والتهديدات للسلم والأمن الدوليين، وانتهاكات القانون الدولي، والتنصل المستمر من تنفيذ الالتزامات الثنائية والمتعدّدة الأطراف في ميدان نزع السلاح.واجهت سورية على مدى السنوات الماضية حرباً ظالمة وظفت خلالها حكومات دول معروفة سلاح الإرهاب ضد الشعب السوري، وزجت في أوارها بعشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب الذين استقدمتهم من شتى أنحاء الارض، وزودتهم بشتى أنواع الدعم والأسلحة بما فيها الاسلحة المحرمة دولياً لخدمة أجنداتها العدوانية تجاه سورية والمنطقة. 

لقد أدت سياسات تلك الحكومات إلى حصول تنظيمات إرهابية مثل "داعش" و"جبهة النصرة / هيئة تحرير الشام" على أسلحة كيميائية، واستخدامها مراراً ضد المدنيين السوريين وقوات الجيش العربي السوري، وهو ما يبرز الحاجة الملّحة لمعالجة القصور في الصكوك الدولية ذات الصلة، والعمل بشكل مشترك – بعيداً عن التلاعب السياسي والتضليل الإعلامي - لإيجاد آلية لتنسيق الجهود الدولية للتصدي لأعمال الإرهاب الكيميائي. في هذا السياق، تجدد سورية دعمها للمبادرة التي طرحها الاتحاد الروسي أمام مؤتمر نزع السلاح لمكافحة الإرهاب الكيميائي والبيولوجي، وبدء التفاوض في المؤتمر على مشروع اتفاقية لهذا الغرض استناداً إلى النص المقدم من الاتحاد الروسي.

من جانبها، انضمت الجمهورية العربية السورية إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية في العام 2013، ونفّذت جميع التزاماتها انطلاقاً من إيمانها بضرورة إزالة كافة أسلحة الدمار الشامل في العالم. إلا أن تجربتنا مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أكدت يوماً بعد يوم، وتقريراً إثر تقرير (أو تلفيقاً إثر تلفيق إذ ليس بمقدورنا تسمية ما يصدر عن المنظمة بتقرير)، سقوط القائمين على إدارة هذه المنظمة في فخ الاستقطاب والارتهان السياسي وخضوعهم لسياسات وإملاءات دولٍ غربية ناصبت سورية العداء، وهو ما تجلى في إنشائها لفرق وآليات من خارج الاتفاقية تفتقر لأدنى معايير الحياد والمهنية، الأمر الذي قوض مصداقية المنظمة وجعل من تقاريرها أداةً أخرى في الحرب على سورية. 

إننا نطالب الدول الأطراف في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالقيام - خلال مؤتمر الاستعراض القادم - بمراجعة مسؤولة ودقيقة لمسيرة عمل المنظمة خلال السنوات الماضية، وتصحيح الأخطاء والمخالفات الواضحة لنصوص الاتفاقية، حفاظاً على تلك المنظمة ومستقبلها.

 لا تزال "إسرائيل" تشكّل مصدر تهديد دائم وجدي للأمن والسلم الإقليميين والدوليين، فبالتزامن مع مواصلة انتهاكاتها لمبادئ القانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وشن أعمال العدوان المتكررة على الأراضي السورية والفلسطينية، والسعي لتكريس احتلالها للأراضي العربية وإطالة أمده، تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحديث وتوسيع ترسانتها من جميع أنواع الأسلحة، وامتلاك وتطوير أسلحة دمار شامل وقدرات عسكرية نووية بعيداً عن أي رقابة أو ضمانات أو آليات تحقّق دولية، مستفيدةً في ذلك من الدعم الذي توفره لها دول أصبحت معروفة للجميع.  

 تحمّل سورية سلطات الاحتلال الإسرائيلي ورعاتها المسؤولية الكاملة عن عرقلة  إنشاء المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط،  وهو ما تجلى مجدّداً في رفض "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية المشاركة في الدورة الثالثة لمؤتمر إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية وكافة أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط الذي عُقد تحت مظلة الأمم المتحدة في تشرين الثاني من العام 2022، في الوقت الذي شاركت فيه سورية والدول العربية بفعالية حرصاً منها على إنجاح هدف المؤتمر. تجدد سورية مطالبتها الأمم المتحدة بإلزام إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار كطرفٍ غير حائز للأسلحة النووية، وإخضاع جميع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية. 

وتعبر سورية عن خيبة الأمل لإخفاق مؤتمر الاستعراض العاشر لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في اعتماد وثيقة ختامية تتيح تنفيذ التعهدات والالتزامات التي حدّدتها الاتفاقية والوثائق الختامية وقرارات مؤتمرات المراجعة السابقة، والمضي قدماً فيما يتعلق بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط. في هذا الصدد، تجدّد سورية التأكيد على أن تنفيذ قرار الشرق الأوسط الذي تمّ اعتماده كجزءٍ من صفقة التمديد اللانهائي لمعاهدة منع الانتشار النووي في العام 1995 يظل سارياً إلى حين تحقيق أهدافه وغاياته وفق ما جاء في الوثيقة الختامية للمؤتمر الاستعراضي للمعاهدة للعام 2000. ولا يشكل مؤتمر إنشاء المنطقة الخالية في الشرق الأوسط مساراً بديلاً عنه. 

إن الرواية الغربية لما آلت إليه المحادثات حول خطة العمل الشاملة المشتركة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتجاهل عمداً حقيقة أن ما وصلت إليه الأمور هو نتيجة انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية غير المبرّر من الخطة في شهر أيار من العام 2018، إضافة إلى فشل الدول الأوروبية الثلاثة والاتحاد الأوروبي بالوفاء بالتزاماتهم بموجب الخطة واستمرارهم بفرض التدابير القسرية أحادية الجانب اللاشرعية على الشعب الإيراني، وتجاهلهم لما أبداه الجانب الإيراني من تعاونٍ مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

تبرز الحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى لتفعيل دور مؤتمر نزع السلاح على اعتبار أنه المنتدى التفاوضي الدولي الوحيد متعدّد الأطراف المعني بنزع السلاح، لا سيما السلاح النووي. ويعتمد الخروج من حالة الجمود على توفّر الإرادة السياسية الصادقة بتنفيذ ولاية المؤتمر التفاوضية، واحترام قواعد النظام الداخلي للمؤتمر ومبادئه، لا سيما مبدأ المساواة في السيادة، ومبدأ توافق الآراء في سير عمله واتخاذ قراراته، وتجنّب التسييّس المفرط لمداولاته. 

 وتشدد سورية على أن السبيل الوحيد لتجاوز الوضع المتردي الذي آلت إليه البيئة الأمنية الدولية يتمثل بالتزام الدول الأعضاء كافةً قولاً وفعلاً بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وتنفيذ الالتزامات الثنائية والمتعدّدة الأطراف في مجال نزع السلاح والحد من التسلّح لا سيما نزع السلاح النووي ومنع الانتشار بعيداً عن المعايير المزدوجة والأجندات السياسية الضيقة.

عرض جميع الاخبار