2024-04-17


د. بسام الخطيب استراحة الهوتة – ولاية الحمراء - 4 نوفمبر 2021 مقال منشور في صحيفة الرؤية العماني

يُنافس الشيخ سالم الجبال في رسوخ مُعتقداته وإيمانه بالله، ويناقش مؤمناً بأنَّ العروبة قدر وحق يجب الدفاع عنه. جولاتنا في جبل شمس كانت دائماً تستدعي التاريخ البعيد والقريب حيث يمتلك مثالاً حاضراً دوماً عن تاريخ وتفاصيل حرب الإيمان والإمامة في المنطقة وأئمة الحربالجارية في حاضرها. ويدخل الدين والحق والأصل في كل فكرة تطرق نوافذ عقولنا أو نطرق باب لبها.

التجأ عقلي إلى الصمت ليحلل فكرة طرحها الشيخ، وفجأة سألني مارأيك بمنظر أبي الهول؟ وفي تلك البقعة واللحظة، لم يكن هناك إلا هواء بارد وعقل شارد دفعني للتساؤل بحيرة عن أبي الهول! نعم ألا تراه؟ أجاب مُستغرباً. وفي حرج من كثرة جهل وجهل من قلة فهم ابتسمت لأواكب مستقر عينيه، والغريب أنني لمحت ابتسامة أبي الهول يُرسلها لي وهو يتربع على قمة جبل شمس. انتهزت، نعم، انتهزت اللحظة لأجيب الشيخ قائلاً نعم أراه ومتسائلاً هل رآه غيرك هنا؟ بدأ سليل العبريين بتوضيح التكوين الصخري الذي لا يحتاج إلا لتشذيب أو تهذيب للجبل ليمثل نسخة عُمانية راسخة من أبي الهول المصري الذي سبق أن عاش معه العبري سنوات طويلة.

بسلاسة، تقاطعت زوايا العيون وموشورات التكوين الطبيعي مع ابتسامة أبي الهول لتبدو جلسته وكأنه يتمركز هناك منذ فترة طويلة ربما تجاوزت ما قضاه أخوه المصري. وبسلاسة مواكبة، امتدت أصابعي إلى الكاميرا لتتعامل مع أزرارها وتسجل من موقع واحد صورة أبي الهول الذي تكفلت الطبيعة والشمس والنور بتحديد بياناته تسهيلاً لعمل الكاميرا التي سجلت الصورة.

(2)

دعت الجمعية العُمانية للتصوير الضوئي السفراء المعتمدين والدبلوماسيين الموجودين في عُمان للمشاركة في مسابقة أفضل الصور عن عُمان الجميلة في عيون السفراء، وقد بعثت رسالة حبي في عدة صور مُنتقاة من زيارات إلى كل أنحاء سلطنة عُمان بين جبل وسهل وبحر وبر. واتصل بي الشيخ الأديب محمد رضا نوري نهرودي سفير إيران مُقترحاً أن نحضر المعرض الذي أقامته الجمعية ويتم افتتاحه برعاية السفير محمد الوهيبي وكيل وزارة الخارجية. وحضرت الافتتاح مع مجموعة من الأصدقاء السفراء، وكان السياق هو استعراض هادئ للصور الفائزة بالانتقاء واحدة تلو الأخرى، والتنعم بأثواب الجمال المتنوعة التي ترتديها سهول وجبال الطبيعة العمانية في طقوسها ورؤوسها المتنوعة. عندها تصبح صورة السفير رسالة وتصبح صورة عُمان سفرًا، ونجاح السفير عبرها في مهمته يصبح حبًا اقترن بإنشاء أو إرساء علاقة طيبة بين بلدين. (1)

آهٍ لتلك اللحظة التي وجدت بها صورة أبي الهول، مكرمة بإطار فني جميل وهي تأخذ موقعها بين فائزات الصور وجميلات اللوحات، متكئة بثقة على جدار المعرض وهي تقول نحن هنا. أبو الهول الصامت الثابت أطلق لساني ليبتعد عن جمود أي جلمود صخري أو موقع دهري. شرحت لخبراء التصوير عن ابنهم الذي ينافس، بثقل تموضعه في قمته العمانية، شريكه المصري الذي أصاب ثقلاً بشهرته العالمية في رماله الذهبية! تراجع البعض قليلاً ومال آخرون يميناً وأمعن البقية النظر كثيراً وردوا ابتسامة أبي الهول تقديراً وحباً، وبدل الصاع .. صاعين!

كان صديقنا أبو الهول في المعرض بين الفائزين، وكأنه كان يطل على الحمراء ونزوى وبهلاء مؤكداً أنها لا تقل عراقة عن القاهرة وأهرام أهلها الماهرة.

(3)

أصابني ألم الظهر في مبلغ جم، وأوصلني إلى مبلغ كبير من الهم، وكنت محتاجاً إلى طبيب يُعالجه وعون يسانده. تنازعتني دوامة اللحظات قبل أن أستجيب لدعوة الأديب العبري إلى المشاركة في جلسة تجمع طيفًا من عشاق عُمان، وما تحمله دفاترها من تاريخ وشعر ونثر تحت راية الخليل الفراهيدي. للمرة الأولى لم أكن قادراً على قيادة فرسي لصعود الجبال، ولكن قوة خفية دفعتني إلى تأكيد المشاركة في الجلسة؛ لأن الشيخ اختار مكانًا لها بجوار أبي الهول وتحت أنظاره، فكيف لي أن أرفض، سيما وأن العنوان كان واجب المثقفين في الالتقاء للتباحث في الشعر والأدب والدفاع عن حقوق ومقدسات العرب.

النار التي أشعلها سالم العبري بحثًا عن الدفء في مساء قارس البرد، أشعلت بدورها قلوب الحاضرين حماسةً وهم قدموا من مصر وسورية والعراق وعُمان وما بينهما. نعم ما بينهما، عندما تنتقل الأبيات من عراقي اختار عُمان موطناً له وسوري وقع في ثمالة عشق عُمان ومصري كلماته حصلت على الجنسية العمانية بافتخار واقتدار. (2)

غريب الحب جاء من الإعلامي ناصر أبو عون، فكانت كلماته عونًا شخصيًا وجماليًا لنا ولمشاركتنا رغم أنَّه اختار، بدايةً، الصمت خلال اللقاء. حاولت استفزازه للحديث ولكنه ابتسم قائلاً بلهجة مصرية محببة "أنا حكتب بعدين".

وهكذا هي عُمان.

لا شيء يُفسر ما كتبه أبو عون إلا إحساسه بأبي الهول وابتسامته وقدميه المستندتين إلى أرض الكنانة وأرض مجان. ولن أذكر ما كتبه أبو عون من كلام طيب عن الحاضرين بمن فيهم الحنون والسعيد والبسام والخطيب، ولكن الأهم أنَّه قال: "صعدنا معاً من قرية المركاض بالقرب من كهف الهوتة إلى بركة الشرف بالجبل الشرقي. جغرافيته مُستديرة على شكل قوس مسنن الحواف قابع على ارتفاع 2000 متر فوق سطح البحر. كانت تسبح استراحة الهوتة ذات الأبنية المجصصة بالحجر الأبنوسي، والمزينة بالصاروج العُماني في بحيرة من ضوء، وتترجل كل صباح تحت صخرة عظيمة تأخذ وضعية أبو الهول بجسم أسد ورأس إنسان لتمشط جدائلها". صنع الله الذي أتقن كل شيء. (3)

أبو الهول في عُمان. سبحان الله... نعم، هذا بشهادة الطبيعة والهلال والصورة والسفير والصحفي، وقبل ذلك، المحب لأرض تختزن الحب.

***************

سر عقد

أعطاني الكتاب مفتاح الباب وسر الولوج إلى هرمه، وكان الأمر بسيطًا. إن نهاية فكرة هي بداية فقرة، وللقارئ أن يلتقط الأولى أو الثانية؛ ليجد أنَ عليه أن يجد أن البداية الفريدة تقوده دومًا إلى النهاية السعيدة.

فكرة تستحق الإمعان بها هي فقرة تستحق الإبحار بها. وهل أوسع من بحر عُمان للسفر في تاريخ من الأفكار والأحداث التي لا تتسع الفقرات والمراكب لها.

يتسع عمق البحر للغوص أكثر وأكثر هنا، رغم أن أبناء الطبيعة الحانية يساعدون القارئ للبحث عن الحقيقة الخافية، حتى لو كان ذلك في زورق صغير قريب من السهل والجبل وجارهما البحر.

عقد، بين قلب محب وعقل باحث عن قلب الحب.

ميناء، اعتاد منذ فجر التاريخ على تراكم عقود الإبحار المجيدة.

إنسان، وأمانة أحس أبناء الطبيعة بمسؤولية حملها وحفظها.

نجلاء، هي تلك الفقرة الجميلة التي ما انفكت تسعى لتجسد الفكرة الجليلة.

حروف البداية تصنع رمز أمة في النهاية.

أي عقد أبرمه الأجداد واحترمه الأحفاد. وأي ميناء لم تغلق مداه أي أنواء. وأي أمانة لم يؤذها إلا غريب طامع وسلاح لامع. وأية نجلاء أبهى بصفحات التاريخ، في العمق والصدق، وفي البر والبحر، وفي رد الطعنة دفاعًا عن العرض والأرض! عُمان.

** سفير الجمهورية العربية السورية لدى سلطنة عمان

 

عرض جميع الاخبار