2024-04-27


مقال سعادة السفير الدكتور بسام الخطيب يكتب لصحيفة أثير: عمان الطبيعة وطبع الأمان

يقترب الحي الدبلوماسي في مسقط من كونه لوحة فسيفساء تزين مفرداتها ألوان رايات وأعلام دول ومنظمات من أنحاء العالم تمتزج في جانبيها مع لوني الجار الجديد في رمال بره الذهبية ومع القديم في مياهه الزرقاء بصلتها السماوية. ورسمت اللوحة يد اعتمدت لون لغة السلام لتخرج مزيجاً فريداً هو عنوان عماني بامتياز، وكلما اقتربت الطيور والطائرات من الأرض ازداد جمال اللوحة.

حصل كثيراً أن أطلب من سائق سيارتي أن يتمهل في شارع الحي الرئيس، ليسمح لطائر الحجل بلونه الصحراوي، ونسميه في الشام طير القطا، بأن يمر بسلام من ضفة الرمال إلى ضفة البحر ومنها، حيث يتهادى مطمئنا بمشيته واثقا بأن معادلة الدبلوماسية اللطيفة للضيف والسلام الداخلي للمضيف مستمرة بتناغم أصيل. وعند توجهي ذات مرة للقاء في مقر الدبلوماسية العمانية القريب، كانت الأم وفراخها تعبر الشارع، ونظرت شزراً إلى السيارة القادمة بلونها الأسود وصوت محركها العالي، فوجهت السائق لإيقاف السيارة بشكل نهائي، وأسعدني أن الأم الفرحة تلقت رسالة الصلح مني متابعة الحراك بأمان إلى الجهة الأخرى وقد أحسسنا معاً بجمال طبيعة السلام.

وفي مياه قنتب يتهادى الزورق لمنح راكبه تجربة خاصة، تتنقل فيها العين بين زرقة بحر واسع الأفق وسماء تنافس مدى البحر، وشاطئ يتحدث تاريخه عن أشخاص وأحداث كثيرة شهدها الشاطئ وعن سفن بعضها جاء معادياً فغمرته وأصحابه المياه، وآخر جاء مسالماً فرحبت به الأرض وأصحابها. جرى الحوار القديم نفسه مع مجموعة من الدلافين التي اختارت زورقي لترقص أمامه بدلال وتركت بقية الزوارق.

ولذلك بدأت الحوار مقدما الشكر للمبادرة صوبي والتقدير للفن المبدع منها. وعندما تساءلت عن سر الابتسامة الواثقة لدى الدلافين أجابت بانها عاشت، وقبلها الأجداد، في سلام وأمان هنا وعلمت أن الإنسان هنا لديه تقاليد وقوانين للعيش بوئام مع من وما يوجد في عمان. أحد الدلافين العجائز قال لي إن بعض السلاحف تأتي من أقاصي الدنيا لتضع بيضها في عمان، وفقط في عمان، لأنها تأكدت من صدق ما قالته الطبيعة عن عمان وأهل عمان.

في سمهرم، تنتصب القلعة القديمة بعنفوان ويتمدد الخور المجاور برضى. وقطع تأملاتي في سلسلة الحضارات التي وصلت إلى سمهرم ومينائها من أنحاء العالم بسفنها وبضائعها وغادرتها عائدة ببضائع عمانية، حديث بهي الطلعة شاب قال إنه آت من سواحل إيطاليا ليسهم بترميم جدار القلعة وقاعاتها بصفته خبيراً دولياً في الترميم. واتسعت ابتسامته عندما علم أنني آت من سورية التي زارها يوماً وهي جارة بلده في المتوسط، وقريبة وطنه في حكم روما، وشريكة عمان في ثقافة الإنسانية والسلام، وهي التي فتحت الحضن لنلتقي في قلعة تختزن التاريخ وشاهدة على صلات الحضارات عبر أصقاع الأرض.

رزقت عمان بابن صادق كرس حياته ليؤكد السلام والاحترام في الثقافة والتواصل مع الجميع بقلب صادق وعقل مفتوح، فتحولت بلاده إلى أيقونة كثر محبوها فتوافدوا إليها واعتمدوا على حكمة أبنائها وسلامها المؤمن وإيمانها بالسلام حيث اقتضت الحاجة. وعندما انتقل الابن بسلام إلى جوار ربه، قدمت الطيبة الولاَدة ابنا باراً تبنى احترام الأم الغالية عمان والحفاظ بأصالة على قيمها وتربيتها لأبنائها لتبقى داراً آمنة للضيف وموئلاً مضيافاً لمن يسعى للأمان في دارها.

سفينة الحب والمودة التي لطالما سكنت قلوب أهل الشام وأهل عمان، في حلهم وترحالهم وتجارتهم وتواصلهم، لم يتغير طريقها. وبقي ملاحها يجيد الإبحار وسط الأنواء ولا يحيد عن المسلك ذاته، لأن تجارة السلام والاحترام الصادقة هي الأكثر ربحاً. الضامن دوماً هو الله عز وجل حامي الإيمان والأرض والإنسان والعرض في الحبيبتين، وما أحيلى التوجه إليه والابتهال لأن يحمي سورية وعمان ويحفظهما ويكرمهما، وفي حديث الرسول الشريف عنهما نور لأصحاب النور.

عرض جميع الاخبار